ذهان الطفل و المراهق

الذهان اضطراب خطير يتفاوت تأثيره حسب سن ظهوره , يعرفه دوشي كتنظيم غير موافق للأنا ، يتسبب في :

– تلف و تشوه في فهم  و تكوين الواقع رغم سلامة وظائف الإدراك .

– تشوه معرفة الطفل لنفسه و للغير مما يولد اضطرابات سلوكية معتبرة .

كما يضيف  دأجورياقيره  بعض الأعراض الأساسية  هي :

– تلف في معرف الجسم  وصورته ووعيه رغم تقدم العمر . – اهتمام شاد بالأشياء أو بعض خصائصها لا يتعلق بحقيقة استعمالها ( ميموني. 2005) .

أنواع الذهان عند الطفل والمراهق

 تقول  ماهـلر أن تكوين هوية الطفل يمر بثلاث مراحل :

أ- مرحلة توحيديةAutistique  : إن لم يتجاوزها الطفل بقي في حالة توحد لا يعي لا بالآخر ولا بذاته.

ب- مرحلة تكافلية Symbiotique : أساسية للنمو إن لم يتجاوزها سيبقى تابعا واتكاليا ويرغب في الذوبان.

جـ- مرحلة تشخصية : فيها يرقى إلى “ذات مستقلة ” عن الغير ( ميموني .2005 . ص 73 ).  

بكل مرحلة من هذه المراحل يختص نوع معين من الذهان. على هذا الأساس نجد الأنواع التالية من الذهان في المرحلة قبل المدرسية من حياة الطفل .

الذهان التكافلي

يسمى أيضا بالذهان الثانوي ، وصفته ماهلر كتثبيت في المرحلة التكافلية , تظهر أعراضه على شكل :

– استثمار ( استغلال ) ضخم و مفرط للأم من طرف الطفل حيث يعيشان تكافلا جزئيا يسمح ببداية التمايز.

– ” أنا – غير ” لكنه لا يكفي لتشخيص ” ذاتية “  توفر الاستقلالية مما يقود الطفل إلى حالة اتكالية تتولد عنها سلوكات تتسم بالتبعية من جهة ، و من جهة أخرى بالرفض و النبذ في نفس الوقت .

– ظهور مخاوف و رعب ليلي و ظهور الطقوس .

– وساوس كالخوف من بعض الأكلات كأنها مسمومة ، وخوف من أنه يبتلعه المرحاض أو حوض الحمام مما يثير في نفسه رعبا و قلقا كبيرا .

– اضطراب اللغة المكتسبة سابقا مهما كانت رفعة مستواها. توقف اكتساب اللغة و تدهور نحو الخرس.

– أحيانا يرفض التواصلات و يبحر في مناجاة نفسه في حكايات طويلة .

– تعيش الأم – بدورها – هذا التكافل و ترفض التفريق أو تشخص الطفل ، هكذا كلما أحس أحدهما بخطر التفريق ( حقيقي أووجداني … ) هاج قلقه واضطرابه وعند الطفل يظهر نكوص معتبر و أعراض ذهانية .

– انطواء و شذوذ و اضطراب في الأكل .

– اضطراب صورة الجسم  ( شعور بالغرابة … ) ( ميموني 2005 ) .

ذهان الكمون ( 05 إلى 12 سنة )

يظهر بطريقة مفاجئة أو تدريجية بعد أن يكون الطفل قد كون وسائل اتصال ( مثل اللغة خاصة ) و علاقات و إمكانيات معرفية لم يكتسبها الصنفان السابقان . يبدي الطفل انعزالا تدريجيا و انطواء أو اضطرابات طبيعية غالبا ، عقب أحداث صادمة هددت كيان الطفل و نرجسيته و أحيت قلق التفريق ( عن العائلة ، أو مولود جديد ، أو مرض ، أو عملية جراحية …) . تتمثل أعراض هذا الذهان في :

– انطواء و انسحاب فجائيين أو متدرجين من المحيط الخارجي .

– تلاشي الانتماء و سطحية العلاقات .

– يروض الانفعالات و خمود النشاطات قد يصل إلى أدنى الدرجات .

– بروض العاطفة و مطالبة مفرطة .

– خلط في الكلام و ثرثرة دون معنى .

– ظهور الخرس بعد السنة العاشرة ( 10 ) من العمر قد يكون تاما أو جزئيا ( يتمثل في مناجاة الذات ) .

– ضعف التركيز الفكري مما يؤدي إلى اضطراب الحياة الدراسية حيث يجد الطفل صعوبة في تتبع أفكار الغير ، و صعوبة فهم الدروس و يفقد الطفل المبادرة و يعسر عن متابعة الدروس .

– إحساس بالغرابة .

– صعوبة الوعي بالجسم كوحدة ثابتة ، يصحبه قلق .

– لا يوجد هذيان منظم نظرا لتوفر إمكانات التطور عند الطفل . – الهلوسة نادرة لكن جاف و يندر ايشارا  إلى وجود هلوسة سمعية و بصرية عند أطفال يتابعون دراستهم (ميموني. 2005).

ذهان المراهقة

يكتسي ذهان المراهقة أعراض ذهان الراشد و لا ننسى أن الفصام يعتبر ذهان الشباب . يشير بورو Porot  إلى ما يدعى شبه الذهان الذي يتطابق مع بعض خصائص مرحلة المراهقة حيث نجد الأعراض التالية :

– صعوبة الاتصال بصفة معقولة مع المحيط .

– تثبيط يختفي ورائه قلق .

– اضطرابات الأداء اللغوي .

– اضطرابات نفسية حركية غالبا ما تتطور إلى فصام . يحدث ذهان المراهقة بصفة مفاجئة أو تدريجية و بأعراض مختلفة منها مخاوف أو أفعال جانحة أو هوس …إلخ. ويؤكد دوشي على أهمية تشخيص هذه الحالات على اعتبار احتمال أن تكون سلوكياتها المضطربة مؤقتة مرتبطة بالمراهقة فحسب ، و احتمال أن تكون سلوكات ذهانية لا تزول بل يرافقها تغيرات تدريجية في الشخصية تعلن عن التفكك ( ميموني. 2005) .

أسباب ذهان الطفولة و المراهقة

الذهان تشكيلة من الاضطرابات متعددة الأشكال والسببيات ، نجد  – في أغلبية المراجع  –  اهتماما بأسباب الذهان المبكر ( التوحد المبكر ) و الذهان المتأخر ( أي ذهان الطفولة الثانية و الثالثة ) . درس جايسمان و جايسمان  تطور الذهانين و لاحظا أن الأول يمكن أن يتطور في شكل الثاني ، و الثاني يمكن أن يتطور و يأخذ سمات التوحد المبكر عن طريق النكوص . في هده المحاضرة سنستعرض أسباب الذهان المبكر و الذهان المتأخر معا مع الإشارة إلى الأسباب الخاصة بكل واحد على حدى إذا كان .

الأسباب العضوية

الدراسات على عائلات الذهانيين لم تبرز علاقة دالة بين الوراثة والذهان . أما الدراسات الجينية فأوضحت أن العوامل الجينية لا تورث الذهان إنما تورث حساسية و قابلية كبيرة للذهان و أن المحيط يلعب دورا في تعزيز الحساسية هذه أو أن يصلحها . كما أشار العديد من الباحثين إلى إضطراب المتقبلات الحسية إذ أن ارتفاع أو ضعف العتبة الحمائية ضد المثيرات ، في الحالتين يفشل المحيط العائلي في حماية الطفل من المثيرات أو بتوفير المثيرات الكافية له وقد لاحظ  ريمبو  Rimbaud  تشابه أعراض الذهان وأعراض الأطفال المصابين بحرمان حسي ونفسي .

الأسباب العائلية

حاول الباحثون أيجاد ترابط بين اضطراب الأم و اضطراب علاقاتها بالطفل و بين الذهان ، من بينهم كانر الذي أشار إلى أن الأم تتسم بالبرودة العاطفية حيث تكون عقلانية يقتصر اهتمامها بطفلها على الواجب خاليا من العواطف مما يقلل عمق العلاقة و يعرقل الاطمئنان المتوقع ، وتسائل كانر هل سلوك الأم هدا يمكن أن يكون رد فعل عن اضطراب الطفل . لاحظ العديد من الباحثين أن الأم انهيارا خلال السنوات الأولى من ميلاد الطفل ، جعل الأم عاجزة عن الاهتمام بوليدها و استثماره وجدانيا مما جعلها تتعامل معه كـ “شئ ” لا فرد حساس . ركز فينيكوت  على اضطراب المحيط إذ يرى أن في البداية لا نجد رضيعا – فحسب – لأن الرضيع لا يعتبر ” وحدة ” لوحده ، بل الوحدة هي الثنائية ” رضيع – محيط ” فإذا كان المحيط ناقصا أو عاجزا اضطرب نمو الطفل . أما لافيك Lawick  فأدخل مفهوم ” الصلة المزدوجة ” فأفراد العائلة هم أطراف النسق الإتصالي إذ أن كل فرد يؤثر و يتأثر بالآخرين و لاحظ في عائلات الفصاميين نوعا خاصا من الاتصال يتمثل في كون المثير له ” معنى مزدوجا ” و متناقضا يجعل المستجيب يخضع لازدواجية و تناقض المثير و يجبره على استعمال نفس الطريقة في الإجابة لذا يقول Ling     أن الفصامي ليس مريضا لكن عائلته ذات علاقة مرضية و علاجه يكون مع عائلته ، هذا الرأي أنتج العلاجات العائلية و النسقية ( ميموني 2005)

التنبــأ و الشفــاء

تدخل عدة عوامل في التنبأ من بينها :

أ- سن الإصابة  : كلما كانت مبكرة كلما عطلت عدد أكبر من الوظائف و تعقد الاضطراب .

ب- نوع الإصابة : إذا كانت دماغية ( كالتهاب دماغي واسع مثلا ….) يكون التنبأ متشائما إذ تقل حظوظ الشفاء و لو جزئيا .

جـ- المحيط : يلعب دورا هاما في مساعدة الذهاني ( طفلا و مراهقا ) على الشفاء و الاندماجي ، إذا أتسم المحيط بالنبذ و الرفض أو بالحماية المفرطة فهده المواقف لا تساعد الطفل المصاب على التوازن و تجعله ينطوي أكثر و يفر من المحيط .

غالبا لا يشفى الذهان – خاصة المبكر- لكن هذا لا يمنع التكفل به وتوفير تربية خاصة ومكيفة على إعاقته تساعده على التوصل إلى استقلالية حسب إمكانياته أو تسمح له -على الأقل– بتلبية حاجاته الأساسية والاندماج في محيطه الأسري والمجتمعي . توجد بأوروبا مراكز محمية يعمل فيها الذهانيون كل حسب إمكانياته ، وهذا له إيجابيات عدة منها :

– العمل يخرج الذهاني من قوقعة الفراغ والوحدة والضجر .

– يتعامل مع أقرانه ومع أفراد عاديين مما ينمي اجتماعيته .

– العمل يلبي الحاجة إلى القيمة والتقدير ويكسب المكانة الاجتماعية .

– باشتغاله يتحمل مسؤولية نفسه ويزيل العبء عن الآخرين ويتخلص من الشعور بأنه عالة على الغير. هذه الفوائد تساعده على الاطمئنان والاتزان والاندماج وهذا نوع من الشفاء ( ميموني 2005)

الذهان و التخلف العقلي

رأينا في التوحد المبكر أنه قد يتدهور إلى شبه تأخر عقلي عميق لأن الانطواء وعدم الاهتمام بالخارج يقلل من تجاربه. أما في حالات التخلف العقلي الأول فالذهان ينشأ عن التخلف ورد فعل المحيط : قد يعتبر الوالدان طفلهما المتخلف عقليا عقابا لهما وتنجرح نرجسيتهما مما قد يؤدي إلى تخليهما التام عن هذا المولود الذي لا يتلاءم مع أمانيهم؛ هكذا يتسم سلوكهما تجاهه بالنبذ و يتصرفان معه كأنه غير موجود كأن لا يهتما به إلا وقت قضاء الحاجات الأساسية ( أكل ونظافة…) لذا يلجا الطفل إلى التوحد أو غيره من الاضطرابات المختلفة لخفض التوتر و القلق الحاصلين .  يقول فور FOURE J. في مقالته “من التخلف إلى الذهان” : ” أن التخلف العقلي أوالإعاقة الحركية في حد ذاتها لا تنتج الذهان بل يجب البحث في محيط الطفل : ما هي المكانة التي تعطى له لا شعوريا ، في الغالب لا يترك للطفل المجال كي يستطيع فرض وجوده كفاعل (Sujet) لا كموضوع إسهامات ورغبات ودفاعات الوالدين ” (  ميموني 2005)