مقدمة
يظهر اللاارتياح النفساني للرضيع بصفات جد متعددة، قد يتجلى في أعراض عضوية أو أعراض نفسية جسمية، أو في اضطرابات نمائية، أو تظاهرات سلوكية ونفسية. الجسم غالبا ما يكون طرفا في اللعبة، من خلاله يكشف الرضيع معاناته الداخلية. إذا كانت القاعدة الذهنية تنص على ضرورة إزالة أي إصابة جسمية فورا لأن تطور الأمراض في هذه السن جد سريع، فإن هناك قاعدة أخرى هي ضرورة القدرة على قراءة المعاناة النفسية للرضيع من خلال التظاهرات الجسمية غير المبررة عضويا. لا ينبغي الاكتفاء بالعبارة التملصية ” هذا سيزول مع السن “. كما لا يجدي التطبيب المفرط لأن الكثير من الاضطرابات ليست سوى علامات على التضايق وأن نظرة حاذقة تستطيع تأويلها وشفاءها بسهولة .
أمام اضطراب نفسي للرضيع ينبغي علينا طرح الأسئلة التالية:
– هل يتعلق الأمر بصعوبات بسيطة تدخل في إطار التغيرات النمائية السوية .
– هل يتعلق باضطراب رد فعلي يمكن ربطه بحدث أو موقف محدد ( مرض، تغيرات في حياة الرضيع..)؟
– هل يتعلق باضطراب منظم، بإصابة نفسية ؟
أسباب الاضطرابات النفسية جد ثرية بالمحتويات معرفتها تسمح بوصف التشوهات الجد متنوعة بشرط أن نجيد قراءتها، هذا يتطلب مقاربة وتكوينا خاصا. فيما يلي سوف نستعرض أهم الاضطرابات التي تصيب الرضيع ).
الاكتئاب عند الرضيع
وصفت عدة جداول عيادية لإكتئابات الرضيع منها الاكتئاب المقنع واكتئاب المرافقة بالخصوص . ويمكن حصر أهم الظروف المولدة لإكتئابات الرضيع في :
– حالة حرمان أمومي شامل ( الاكتئاب الاستنادي).
– أشكال من الحرمان الأمومي الجزئي ( غيابات قصيرة لكن متكررة ….) .
– خلل في التفاعل ” أم – رضيع”.
– اكتئاب أمومي ظاهر .
– اكتئاب أموي مستتر يتطور في شبه صمت ولم تتم معالجته (Canoui.Messerschmitt.1994.p297). اكتئاب الرضيع (أقل من 24 شهرا) حالة شائعة بالنسبة للممارس العيادي تظهر في أشكال متعددة. الاكتئاب الاستنادي المرتبط بحرمان أمومي شامل ( الذي وصفه شبيتز سنة 1946) يستحق التعريف الوافي لأنه حقيقة عيادية شائعة ولأنه يمثل أحد النماذج التي تتيح فهما لإكتئابات الكائن البشري. إنه يطرح مسائلا هامة تمس صلات وعلاقات الانحدار مع باقي حالات اكتئاب الطفل والراشد .
الاكتئاب الاستنادي
كلمة Analictique مشتقة من الكلمة اليونانية Anaklinein التي تعني ” استند على”. اختار شبيتر هذا المصطلح ليقضي بأن هذه الحالة المرضية تظهر عندما لا يعود الرضيع يستطيع الاستناد على أمه من أجل نماءه. يختص هذا الاكتئاب برضع أعمارهم بين 6 و9 أشهر فصلوا فجائيا عن أمهاتهم بعد أن نعموا بعلاقات طبيعية معهن. هذا الحرمان الأمومي الشامل دون بديل معوض يقود إلى رد فعل ضد هذا الفقدان ويؤدي إلى حالة اكتئاب استنادي (Canoui.Messerschmitt.1994).
أعراض الاكتئاب الاستنادي
بعد فترة أولى من البكاء و الصرخات والتشبث بالبالغين تظهر فترة ثانية تطبعها apathie شاملة مع رفض للتواصل أو لا اكتراث بالمحيط ونلاحظ ما يلي :
– غياب الـ Gazouillis أو الـ Babillage.
– غياب اللعب باليدين أو بأي شيء .
– الغياب التام للفضول الاستكشافي .
– تظهر ظواهر الاستثارة الذاتية : تأرجح إلى وضعية genu – pectorale، وإيقاعات وحدانية ليلية – أو أثناء الخلود إلى النوم – للرأس أو الجسم ، إيقاعات نهارية .
في الحد الأقصى ، تظهر سلوكات عدوانية ضد الذات .
كحوصلة للأعراض نميز ثلاث مجموعات كبرى من العلامات :
– انسحاب ولا اكتراث .
– تراجع المكتسبات الحركية والعقلية .
– اضطرابات جسمية يطبعها نقض في الوزن و امتناع عن الأكل والأرق وحساسية كبيرة للالتهابات .
في الحد الأقصى يصل الرضيع إلى حالة قريبة من الـ marasme.
الـتـنبأ
إذا حضرت الأم أو بديل جيد عنها ومقبول عند الطفل قبل الفترة الحرجة ( 3-5 أشهر ) فإن الحالة الاكتئابية تزول بسرعة، بينما يمكن أن يحتفظ الرضيع بحساسية كبيرة لأي انفصال محتمل لاحقا. أما في الحالة العكسية فإن التطور يغدو خطيرا: على المستوى البدني قد يصل إلى الوفاة نتيجة التهابات حاصلة (لا حظه شبيتز عند 30 %من الحالات ). وعلى المستوى النفسي رفقة الـ Apathie يتدهور التأخر النفسي الحركي، تاركا des séquelles Indélébiles . هذا الجدول الكامل يشكل ما سماه شبيتز بـ داء المصحات (Canoui.Messerschmitt.1994).
الحالات الاكتئابية للرضيع
هذه الحالات أكثر شيوعا وأقل خطورة، و يجدر أن تكشف لتفادي المخاطر المرضية لاحقا .
التناذر الاكتئابي للرضيع
نجد الثلاثية الاكتئابية التي وصفها كريسلر :
أ – L’atonie thymique: يتعلق المر برضيع ذو سلوك لا إكتراثي ، ولا يبكي ولا يشكي ، سنتحدث عن Athymie شاملة وعن لامبالاة وانسحاب الحزن والانقباض ليسا حتميين تماما كما هو الحال في الاكتئاب الإستنادي .
ب- Inertie الحركية : يطبعها سلوك بطيء ، Monotone مع ميل تكراري. تذكرنا بالبطء الإكتئابي للراشد .
جـ – فقر التفاعلات والانطواء : الملاحظة العيادية وخاصة المصورة تبين تناقص التفاعلات والسعي إلى التواصل. الاتصال فقير، تثبت النظر، استدارة عند اقتراب الحمل في الذراعين، فراغ معبر (Canoui.Messerschmitt.1994).
وهناك أعراض أخرى يمكن أن تشير إلى جدول اكتئابي :
– اضطراب سلوكات التغذية ( منها القلص والامتناع عن الأكل ..).
– توقف النمو وتأخر النمو النفسي الحركي وضعف المقوية الحركية.
– تصرفات جسمية نفسية ، وتأرقات وإسهالات ، ومشاكل تنفسية أو Cutanées.
– تشوهات سلوكية .
الحرمان العلائقي
ليس الحال هنا حرمانا أموميا شاملا بل هي صعوبات علائقية مع الأم تشكل حرمانا عاطفيا جزئيا من أمثلتها غيابات قصيرة للأم لكنها متكررة، صور أمومية متعددة، لا انسجام تربوي ، نقص الحضور الأمومي مشكلا بذلك الجدول السريري لما يسمى بـ الاستشفاء البيتي داخل العائلة .
الاكتئابات الأمومية
نتكلم هنا عن اكتئابات الصحبة التي يمكن أن تشكل اضطرابات خطيرة للرضيع، قريبة من الاكتئابات الاستنادية ( خاصة في حضور أمهات تبدين اضطرابات سوداوية ). يمكن أن يتعلق الأمر بـ :
– اكتئابات أمومية ظاهرة ، مرتبطة باضطرابات نفسية أمومية واضطرابات الشخصية والذهان الهوسي الاكتئابي والذهان الوظيفي .
– اكتئابات أمومية متعلقة بوضعية ما كاضطرابات جسمية مبكرة للطفل أو موت مباغت لرضيع سابقا أو مرض خطير لطفل ما أو استشفاء أو إنعاش أو سوء تكوين .
– حالات اكتئابية أمومية مستترة لم ولا تعالج لأنها لم ولا تلاحظ. هذه الأشكال الاكتئابية تختلف عن الاكتئاب رد الفعلي للأيام الأولى بعد الميلاد ( شجن الرضيع). يمكن أن تثـقل هذه الحالات كاهل البنية النفسية للطفل بفعل التفاعلات الـ biaisées بين الأم و رضيعها (Canoui.Messerschmitt.1994).
اضطرابات جسمية متنوعة
يمكن أن تكون الاضطرابات الجسمية مسؤولة عن الحالات الاكتئابية لدى الرضيع لذلك ينبغي إجراء فحص طبي مدقق للرضيع في حال وجود اضطراب نفسي. قد يتعلق الأمر بالتهابات في الأذن أو الأنف أو الحنجرة أو بـعدم قبول للقلوتين، أو بسوء تغذي بروتيني حريري، أو بحرمان خطير من عنصر الحديد .
اضطرابات التفاعل أم – الرضيع
تم الكشف عن هذه الصعوبات عن طريق دراسة التفاعلات “طفل – والدين” بواسطة الأجهزة التصويرية.وهي تظهر سوء تكيف أو لا تكيف لشخصية الأم وشخصية الرضيع قد يؤدي إلى إفلاس كفاءات أحدهما في بناء العلاقة الوجدانية بينهما، قد يتعلق الأمر -مثلا- برضيع ذي نشاط علائقي ضعيف يقود إلى تساؤلات الأم عن مدى كفاءاتها لأن تكون ” أم حسنة”. في حال عدم تدخل طرف ثالث تتوضع الحلقة المفرغة التي تتميز بـلا استثمار مع معاناة أو استثمار صراعي بين الأم ورضيعها (Canoui.Messerschmitt.1994.pp299-300).