إن القدرات التعبيرية للإنسان غير محدودة، ولا يقتصر الفرد على طريقة وحيدة في التعبير. ورغم أن الحديث لا يزال هو الطريقة التقليدية للتبادل بين الناس، إلا أن الأساليب التعبيرية الأخرى تملك حيزا معتبرا لدى الناس، حيث يتواصلون فيما بينهم بأساليب تعبيرية شتى، وتطغى بعض الأساليب لدى فرد ما على الأساليب الأخرى، كأن يكون فرد معين بصري النمط وآخر حركي النمط وما إلى ذلك. من ثم، ظهرت العلاجات التعبيرية التي تسعى لتمكين المعالجين من توفيق وتضمين هذه القدرات التعبيرية المختلفة في عملهم مع المتعالجين، لتمكنهم من رفع وتعزيز قدرات المتعالجين على التواصل بفعالية وعمق. ثم مع ظهور العلاجات المختصرة، وجد العديد من المعالجين أن العلاجات التعبيرية تساعد الأفراد على التعبير وتوصيل مواضيع حساسة بطرق لا تستطيعها العلاجات الكلامية. بالتالي، يحتاج المعالجون والمرشدون النفسانيون أن يتبنوا أو يقتبسوا الأساليبال تعبيرية في عملهم مع المتعالجين الذين يجدون صعوبة في التواصل الكلامي.
ظهر مصطلح العلاجات الفنية (أكبر فروع العلاجات التعبيرية) لأول مرة في أواخر أربعينات القرن العشرين. في المملكة المتحدة، أكد الفنان أدريان هيل أنه كان أول من استخدم مصطلح “العلاج بالفن” “لوصف التطبيق العلاجي لتصوير الصورة. بالنسبة لهيل، الذي اكتشف الفوائد العلاجية للرسم والرسم الفني خلال تعافيه من مرض السل، تكمن قيمة العلاج بالفن تمامًا في تحريكه الكامل للعقل (وكذلك الأصابع) … [وفي] إطلاق الطاقة الإبداعية للمتعالج المثبطة في كثير من الأحيان. اقترح هيل أن هذا مكن المتعالج من بناء دفاع قوي ضده قصوراته.
(Edwards, David. 2004)
تعريف العلاجات التعبيرية
هي مجموعة واسعة من العلاجات المتنوعة الوسائل. يعرفها الائتلاف الوطني (الأمريكي) لجمعيات العلاج بالفنون الإبداعية بأنها استخدام الفن والموسيقى والرقص والحركة والدراما والشعر والكتابة الإبداعية المكتباتية واللعب وعلبة الرمل في سياق العلاج النفسي أو الإرشاد أو إعادة التأهيل أو الرعاية الصحية. ويشار إلى العلاجات التعبيرية في بعض الأحيان باسم “الأساليب الإدراجية” عند استخدامها بشكل مقصود في المعالجة التنسيقية. وأغلب العلاجات التعبيرية تندرج ضمن ما يطلق عليه العلاجات الفنية.
(Malchiodi، Cathy A. 2005)
وهذا النوع من العلاجات يكون مفضلاً وفعالا مع الأفراد غير القادرين على التواصل اللفظي، والذين لديهم صعوبات في التعبير عن أنفسهم بالكلام، حيث يتيح لهم وسيلة ليستخرجوا بها أفكارهم وانفعالاتهم وخيالاتهم، من خلال النشاط الفني.
خلال جلسات العلاجات التعبيرية، يعبر المتعالج عن نفسه وعن تجاربه وخبراته بأساليب إبداعية. هذه العمليات الإبداعية تعد مصدراً للمعلومات لكل من المتعالج والمعالج. وهذا ما يساعد المتعالج على بناء ورفع الثقة ويشعره بالاطمئنان الكبير في عملية العلاج، وبذلك يصبح أكثر استعداداً للتعبير عن الذات بشكل مكشوف، ويساعده كذلك على تنفيس الانفعالات.
والعلاجات التعبيرية تحسن الحالة البدنية والعقلية والانفعالية للمتعالج، ويطور وينمي مهارات التفاعل بين الأشخاص ويقلل الضغوط والمشكلات السلوكية، ويزيد تقدير الذات والوعي بالذات ويحقق الاستبصار ويحسن العلاقات بين أفراد الأسرة. كما يؤكد براون وآخرون أن الصراعات الداخلية والمكبوتات تُخرج بسرعة أكبر في الفن عنها في الوسائل اللفظية. مثلا، عندما تُرسم فإنها تصبح في المتناول ويراها المتعالج ويتعامل معها ويسهل عليه حلها. وهذا ينمي الشعور بالثقة لدى الأفراد بأن لديهم قدرات تمكنهم من مواجهة مشكلاتهم وحلها وتسطير أهداف جديدة (سامية عبد النبي).
أنواع العلاجات التعبيرية
تندرج ضمن العلاجات التعبيرية مجموعة من الأساليب المنفردة من العلاجات، والتي تعرف على النحو التالي:
العلاج الفني ( العلاج بالفن )
يستخدم العلاج بالفن كلا من وسائل الإعلام الفنية والصور والنشاط الإبداعي. وهذا العلاج يحترم استجابات المتعالج للمنتجات التي تم إنشاؤها كإنعكاسات للنمو والقدرات والشخصية والاهتمامات والانشغالات والصراعات. إنها وسيلة علاجية للتوفيق بين الصراعات العاطفية، وتعزيز الوعي الذاتي، وتطوير المهارات الاجتماعية، وإدارة السلوك، وحل المشكلات، والحد من القلق، وتوجيه الواقع، وزيادة الاستقلالية الذاتية (الرابطة الأمريكية للعلاج بالفن ، 2004).
العلاج بالموسيقى
يستخدم الموسيقى لإحداث تغييرات إيجابية في النفسية، والأداء البدني أو المعرفي أو الاجتماعي للأفراد الذين يعانون من مشاكل صحية أو تعليمية (جمعية العلاج بالموسيقى الأمريكية ، 2004).
العلاج بالمسرح ( السيكودراما )
هو الاستخدام المنتظم والمتعمد للعمليات التمثيلية والمسرحية ومنتوجاتها والتداعيات لتحقيق الأهداف العلاجية من تخفيف الأعراض والدمج العاطفي والجسدي والنمو الشخصي. إنه نهج نشط يساعد المتعالج على إخبار قصته لحل المشكلة، وتحقيق التنفيس، وتوسيع عمق التجربة الداخلية واتساعها، وفهم معنى الصور، وتعزيز القدرة على مراقبة الأدوار الشخصية مع زيادة المرونة بين الأدوار (الرابطة الوطنية للعلاج بالدراما ، 2004)
العلاج بالرقص والحركة
يقوم على افتراض أن الجسد والعقل مترابطان. ويعرفان على أنهما الاستخدام النفسي للحركة كعملية تزيد من الاندماج العاطفي والمعرفي والجسدي للفرد. يؤثر تأثير العلاج بالرقص والحركة في المشاعر والإدراك والأداء الجسدي والسلوك (الائتلاف الوطني لجمعيات العلاج بالفنون الإبداعية ، 2004)
العلاج بالشعر والعلاج المكتباتي
مصطلحان يستخدمان بشكل مترادف لوصف الاستخدام المتعمد للشعر والأشكال الأخرى للأدب للشفاء والنمو الشخصي (الرابطة الوطنية للعلاج بالدراما ، 2004)
العلاج باللعب
هو الاستخدام المنتظم للنموذج النظري لإنشاء عملية علائقية حيث يستخدم المعالجون باللعب القدرات العلاجية للعب لمساعدة المتعالجون على الوقاية من الصعوبات النفسية والاجتماعية أو حلها، وتحقيق النمو والتطور الأمثل.
العلاج بالرمل
هو شكل مبدع من العلاج النفسي الذي يستخدم الرمل ومجموعة كبيرة من المنمنمات لتمكين المتعالج من استكشاف الطبقات الأعمق من النفس في شكل جديد تماما. من خلال بناء سلسلة من “الصور الرملية”، يتم مساعدة المتعالج على توضيح ودمج حالته النفسية.
العلاج باﻟﻔﻨﻮن اﻟمتكاملة
ويطلق عليه أيضا المتعدد النماذج. يعتمد ﻋﻠﻰ ﻣﻌﺎﻟﺠﻴﻦ معبِّرين أو أكثر ﻟﺘﻌﺰﻳﺰ اﻟوعي، وﺗﺸﺠﻴﻊ اﻟﻨمو اﻟﻌﺎطفي، وﺗﻌﺰﻳﺰ اﻟﻌﻼﻗﺎت ﻣﻊ اﻵﺧﺮﻳن. يميّز العلاج الفني المتعدّد النماذج بينه وبين تخصصاته المتقاربة في العلاج الفني والعلاج بالموسيقى والرقص والعلاج بالحركة والعلاج التمثيلي من خلال كونه يتأسس على ترابط الفنون. ويستند إلى مجموعة متنوعة من التوجهات، بما في ذلك الفنون كعلاجات والعلاج النفسي بالفنون واستخدام الفنون كعلاج تقليدي.
خاتمة
لاحظ كنيل ومعاونوه (1995) أنه في حين أن جميع العلاجات التعبيرية تنطوي على نشاط ما، فإن لكل منها أيضًا اختلافات متأصلة. على سبيل المثال، يؤدي التعبير المرئي إلى مزيد من العمل الخاص والانعزالي وقد يفضي إلى تعزيز عملية التفرد ؛ بينما غالبًا ما تنفرد الموسيقى بالشعور وقد تفيد في التنشئة الاجتماعية عندما يتعاون الأشخاص في الأغنية أو في أدوات اللعب في وقت واحد؛ والرقص والحركة يقدمان فرصًا للتفاعل وتكوين العلاقات. وبعبارة أخرى، فإن كل شكل من أشكال العلاج التعبيري له خصائصه وأدواره الفريدة في العمل العلاجي، ويخضع ذلك لتطبيقه، وللمعالج والمتعالج، والإعداد، والأهداف.
(Malchiodi, Cathy A. 2005)
استخدمت هذه العلاجات التعبيرية في العيادات النفسية والمؤسسات التربوية ومؤسسات رعاية الأطفال المختلفة. وقد استخدمها المعالجون والمرشدون والأطباء النفسانيون والمساعدون الاجتماعيون، والمربون والمعلمون مع الأطفال والمراهقين ومع الراشدين والأسر. وقد أثبتت الدراسات فعالية هذه العلاجات مع فئات مختلفة من الأفراد منهم: المضطربون نفسيا وعقليا، وضحايا الاعتداءات والحوادث الصدمية المختلفة، ومع المجرمين، ومع الأطفال ذوي المشكلات السلوكية والتلاميذ ذوي الصعوبات الدراسية، وغيرها من المشكلات.
أ.د خياط خالد جامعة بسكرة الجزائر