عموما، تستهدف العملية العلاجية المستويات التالية: المستوى النفسي (الانفعالي)، والمستوى العقلي (المعرفي)، والمستوى السلوكي، والمستوى العلائقي. ولتحديد مستويات التدخل العلاجي يمكن أن تتدخل الخلفية النظرية التي يتبناها المعالج والتكوين العلاجي الذي تلقاه، فإن كان المعالج ذو اتجاه وتكوين سلوكي فإنه سوف يستهدف المستوى السلوكي، وإن كان معرفي التوجه والتكوين فإنه سيستهدف المستوى المعرفي، وهكذا. حسب كورسيني (1994. ص )، العملية العلاجية هي بالأساس عملية تعلم وتعليم، يتعلم من خلالها المفحوص أمور جديدة حول ذاته وحول الحياة الفردية والاجتماعية إجمالا.
المستوى العقلي (المعرفي)
ويتم من خلال التعلم بأسلوبين هما :
– التعلم المباشر: ويتم عن طريق التجربة، ويدعى بالتعلم النشط. وهو يكون أعمق وأكثر فاعلية (داخلي). – التعلم غير المباشر: يحدث عن طريق اللغة أو الرموز اللغوية (التلقي)، حيث يتلقى المفحوص العناصر التي ينبغي تعلمها من خلال التواصل.
المستوى النفسي (الانفعالي)
يسعى المعالج إلى تعليم المتعالج التحكم في انفعالاته وضبطها، والتعامل بالانفعالات والمضامين بالموقف وبالدرجة المناسبة.
المستوى السلوكي
نحن بحاجة إلى نقطة حاسمة وهي أن العملية العلاجية تتم داخل العيادة والتحسنات التي تم تحقيقها لابد أن تظهر نتائجها في الحياة العامة للمتعالج، لذلك يتم تكليف المتعالج بمهام يقوم بها بين الجلسات وتخضع إلى طبيعة وحجم التقدم الذي أحرزته العملية العلاجية في كل جلسة.
أهداف العملية العلاجية
هي الصورة التي نسعى لأن نقود المتعالج إليها. والأهداف في العادة يحددها المعالج النفساني بناء على تحديده للمشكلة التي تستدعي العلاج. لكن تطور المعارف وانتشارها وسط المجتمعات أصبح بعض المتعالجين يدركون مشكلاتهم فيأتون للعلاج بمشكلة محددة ويسطرون هدف المعالجة منذ البداية. وعموما، تتمحور أهداف العمليات العلاجية حول التخلص أو التخفيف من المشكلة أو أعراضها المتنوعة، وتحقيق التوافق النفسي والعلائقي والاجتماعي والدراسي أو المهني للمتعالج.
مركبات العملية العلاجية
التشخيص
تختلف المقاربات النفسية في نظرتها لعملية الفحص النفسي. هناك من يرى أن التشخيص عملية ضرورية في العملية العلاجية ولا يمكن القيام بأي تدخلات علاجية دون تحديد تشخيص دقيق للمشكلة، وهذه نظرة متأثرة بالمقاربة الطبية.
في المقابل، هناك من لا يهتم بالتشخيص ويعتبره مهمة ثانوية. وخلال عملية الفحص يمكن أن يقوم بالتشخيص عن غير قصد، حيث يتحصل على مجموعة بيانات (أعراض) تقوده إلى تشخيص المشكلة دون أن يسعى إراديا إلى ذلك. ويرى أصحاب هذا الاتجاه أن:
– في العملية العلاجية يبحث عن الأسباب وفي التشخيص لا تحدد الأسباب بل الأعراض. – التشخيص يحتاجه الطبيب العقلي لوصف الأدوية أما المعالج النفسي فيبحث عن حل المشكلة.
التأويل النفسي
هو تحويل المعلومات الخام إلى بيانات نفسية، من خلال اكتشاف ما تحتضنه الكلمات وتحتويه التعابير وتبثه أساليب الكلام من حقائق حول ما يجري في العالم الداخلي للمتعالج. وعملية التأويل تتطلب تكوينا ورصيدا معرفيا نظريا وتقنيا كافيا ومهارة وقدرة وجهود كبيرة من طرف المعالج النفساني، من أجل الوصول إلى تفسيرات صحيحة. وهي خاضعة لمدى توفر البيانات للمعالج، فإن كانت البيانات غير كافية فمن العسير على المعالج أن يستنبط التأويلات المناسبة.
وهناك مدارس تعتمد أساسا في عملها الفحصي والعلاجي على عملية التأويل مثل المدارس النفسية الدينامية، حيث يقوم المعالج بواسطتها بتأويل أقوال وحركات وإيماءات وذكريات وأحلام المتعالج. وتختلف تأويلات نفس البيانات بين نظرية وأخرى. إحدى الخلافات التي فجرت الشقاق بين أدلر و فرويد كانت تأويلات الأحلام. ففي تأويل حلم رأى فيه المتعالج نفسه يطير، أوله فرويد كتسامي عن الغريزة الجنسية، بينما أوله أدلر على أنه رغبة في التفوق والسمو.
إن توصل المعالج إلى تأويل معين، يجب عليه أن يقدمه كافتراض أو اقتراح لمعنى البيانات، حتى يفسح المجال للمتعالج لمراجعة هذا التأويل وتقديم رأيه حول مدى انطباقه عليه. أحيانا، قد يكون التأويل المصاغ خاطئا في محتواه، أو قد قدم في غير وقته المناسب. لذلك حين يتوصل المعالج إلى تأويل معين، يجب عليه أن يتريث في عرضه على المتعالج حتى يتأكد من صحته ودقته أولا، وأن يتأكد من جاهزية المتعالج لقبول هذا التأويل. وعموما، يكون الظرف مناسبا لإعلان التأويل عندما تكون البيانات التي قدمها المفحوص تنسجم وتساند هذا التفسير، ومن ثم يكون مقنعا للمتعالج. في التأويل، الأهم من صحة ودقة التأويلات هو مدى إدراك واقتناع المتعالج بمحتوى التأويلات المعروضة عليه. فإن لم يقتنع المتعالج بتأويل معين فإنه يغدو عديم الفائدة والجدوى. أما إن تقبله واقتنع به فإن هذا التأويل يمكنه الاستبصار بعالمه الداخلي أو حقيقة مشكلاته.
المرافقة
هي ليست عملية تقنية عقلية أو معرفية مثل العمليات الأخرى في العلاج، إنها عملية إنسانية وجدانية. إن أهم مهمة تنفد أثناء المرافقة هي: الإصغاء. لا يكتفي المعالج النفساني بالأعمال والمهام التقنية من تشخيص وتأويل وتحليل أو تركيب، بل يتوازى معهما العمل الإنساني مع المتعالج المتمثل في مرافقة المتعالج. لذلك يجب أن يكون الإصغاء نشطا مفعما بالاهتمام والانشغال بما يصدر عن المتعالج، وأن يجعله المعالج عملية أساسية ومرافقة له طيلة أطوار العملية العلاجية. وهو يوسم بالنشط لأن فيه تفاعل وتركيز، يحاول فيه المعالج أن يفهم المتعالج ويتفهم وضعيته. وخلال ذلك يتمكن كذلك من القيام بالعمليات التقنية الأخرى : التأويل والاستنباط وتوليد الأسئلة وفحص كل ذلك.
المفارقة
هي حالة إستثنائية، حيث يحدث أحيانا أن ينفصل المعالج عن المتعالج لتحقيق فوائد علاجية لا يمكن تحقيقه بغير ذلك. وغالبا ما تكون المفارقة إرادية هادفة ليفسح المعالج لنفسه المجال للقيام بعمل فردي لا يمكن إشراك المتعالج فيه. مثلا، لما يدرك المعالج أن ما يقوله أو يقوم به المتعالج غير مثمر وغير مفيد فيغلق أذانه ويبتعد بفكره عن كلام المتعالج ليفتح أعينه ويراقب ما يصدر عنه من إشارات ذات دلالة نفسية. وأحيانا أخرى يضطر المتعالج لأن يتخلى عما يقدمه المتعالج من بيانات نظرا لغموضها أو عدم فصاحته، حيث يقترح أدلر أن يضع المعالج نفسه في مكان المتعالج ليتمكن من إدراك وضعيته وما يمكن أن يدور في وجدانه في مثل هذه الوضعية والظروف بناء على معطيات المتعالج، وبعد إتمام المهمة ينهي المفارقة.
الصمت
قد يشكل الصمت مشكلة بالنسبة للمعالج المبتدئ ويتوهم أنه يعرقل سير العملية العلاجية فينظر إلية نظرة سلبية وهذا أمر خاطىء. إن الصمت هو مهمة من صميم العمل العلاجي، فأحيانا يصمت المتعالج وأحيانا يتعمد المعالج الصمت.
في الحقيقة، يتيح الصمت الفرصة لالتقاط الأنفاسل كل من المعالج والمتعالج. لما يصمت المعالج فإنه يفسح لنفسه مجال ملاحظة المتعالج في سلوكاته وحركاته المتنوعة. أما صمت المتعالج فيسمح له بمراجعة نفسه والنظر إلى ذاته بشكل أعمق والبحث عن مزيد من المعلومات التي ينببغي تقديمها للمعالج. وفي لحظات الصمت لا يتوقف النشاط النفسي الداخلي للمتعالج، هذا النشاط يفرز تعابير جسمية وحركية يجب على المعالج ملاحظتها.
وبعد إفساح فترة للصمت أو بعد انقضاءه، يجب على المعالج أن يسأل المتعالج عما كان يدور بداخله من مشاعر وأفكار. ويمكن أن يربط أفكار وانفعالات المفحوص بإيماءات ووضعيات جسمية معينة، فعند نشاط هذه العناصر في داخل المتعالج يمكن للمعالج أن يستبطها من خلال الحركات والإيماءات والوضعيات الملازمة لها عند المتعالج.
عموما، خلال المراحل الأولى من العملية العلاجية يكون المعالج أكثر إصغاء وبالتالي صمتا، لأنه لا زال لا يملك بيانات كافية عن المتعالج، تسمح له بالتحكم في الجلسات والنشاط بشكل أكثر كثافة.
أ.د خالد خياط – جامعة محمد خيضر بسكرة الجزائر